رسالة إلى صديق مودع

..

كتبوا الكثير عن الوداع، أعلم هذا. ولست أرى شيئاً من ذلك الآن! كأني أعرف الوداعَ الساعة، وكأني وأياك أول مودِع ومودَع. ليست الدنيا قاسية، لا ولا الزمان، بل هما قلبانا يتصرفان كطفلين يرفضان ترك لعبتيهما والفطام من أُلفهما.
لست بمتحجر القلب، ولكني أعرف أن ما نواجهه لا طاقة لي ولك بتغييره أو تأخيره، علامنا نستاء كأننا أخطأنا في شيء أو أهملنا ساعة لم نستمتع فيها معاً. لنقبل الواقع يا صديقي، ولو كان مراً.
أيامنا التي (تكادُ بالسرعة في مَرّها ** أوّلُها يعثرُ بالآخرِ) تفوح رائحتها وتعلق ظلالها في جدران الذاكرة لا يمحوها النسان، لحلاوةٍ وأصالةٍ فيها. أنت الذي فعلتُ الكثير لأول مرة بصحبته، ما أزال أتحسس وجودك في تلك الأشياء كما أتحسس وجودي الذي كان!
الحزن؟ بلى أشعر به يملأ الجو، حتى اعتدته، لا يكدرك أنني لا أذكره فبداهة وجوده حجاب. أبكيك وأبكي أيامك، وأعتذر لك. وأنت تبكيني وتعتذر لي. هلّا توقف البكاء كي ينهض الحب لوحده الآن، ليلة وداعنا.
أحبك وأحب أيامك، أحب طريقة كلامك وما تشتهي لطعامك وشرابك، أحب مزاجك وأحب قهوتك. أحب أشياءك وأشياءً تذكرني بأشيائك.
لماذا لا أستطيع كتابة المزيد؟ كأن ما كتبته مقدمة رائعة لكلام جيد يعزيني في فراقك ويسليك. أغص بالكلمات الآن! على أنها ليست النهاية وليس الوداع الأخير، سأجمع ما يكفي من المال وأسافر إليك، كلي ثقة بأنك ستفعل أيضاً. لديك سنابي والواتس وتويتر والبريد. لا يبدو بأننا سنبتعد عن بعضنا كثيراً، على أن فراقك ثقيل ولا أجد كلمات مناسبة لأختم، أحبك.

فـلمـا تـفـرقـنـا كـأنـي ومـالـكاً
لطول اجتماعٍ لم نبتْ ليلةً معاِ

٢٠ جمادى الأول ١٤٤٢