ا
ا
لولا شواهدٌ لك سبقت، وصداقةٌ قديمةٌ امتزجت فيها طفولتنا ثم فتوتنا وشبابنا، وأيامٌ وليالٍ جدباء كالحة لم يقف فيها معي إلاك، وأشياءٌ أذكرها لك وأحفظها، وأخرى لا يملك جزاك عنها إلا الله، أسأله لك خير إكرامٍ لصديقٍ عن صديقه.
لولا كل ذلك، لتفطر قلبي شكاً ولتمزقت روحي جزعاً. أشكوك إليك وأنت خصيمي، وأمتحن حبك لي بحبي لك. قد أعياني الصبر وذقت من مرارة الهجر ما كان بوسعك أن تعصمني منه كما شملتني بعطفك وصحبتك وصداقتك.
مالكَ كالقمر؟ أقل وقتك في إبدارك وأكثره في محاقك وهلالك، أقله في إقبالٍ علي وابتهاجٍ إلي وأكثره في صدودٍ عني وإعراضٍ وغياب. تُبدِرُ حباً وإخلاصاً ووفاء مرةً أو مرتين، حتى إذا استوثقتَ مني بصافي حبٍ ووفير بشْر، لويت معرضاً لا أراك وقتاً طويلاً حتى يتلجلج علي القلب ويتحدث ويظن بك الظنون، فتأتي على غرةٍ تكذب كل ذاك، مكتملاً كأن البدرَ أنت، صادقاً بصداقتك، كأنك امتحنت حبل صداقتي وشددته إليك شداً عنيفاً ثم أهملته مرتخياً قبل انقطاعه.
على أن القمر ذو منازل لا يخلف ميعادها، فليتك أكملت اقتداءك به واتخذت منازلاً لك أعرفها فأوقت لها مواقيتها.
يمنعني عن عتابك مخافتي خسوفك، ويحملني الاعتذار لك عن سؤالك إن ذكرتني في غيابك.
لم يصدق الشعراء حين شبهوا الحبيب بالقمر، فالحبيب لا يغيب بل صورته منطبعة في القلب منعكسة أمام العين فهي تراها بلا انقطاع. القمر أولى بالصديق، وأنت أولى بالقمر، حتى أظنك خلقت من تراب شابته من جرم القمر غبرة، فإليها سبب غيابك وطلوعك وهي الأولى بملامتي. أما أنت فسأظل أحلم بك بدراً طوال العام.
“يـا قَــمَــرَ اللّـيْــلِ إذا أظـلَمَـا
هـل يَـنْقُصُ التَّسليمُ من سلَّمَا؟
قد كنتَ ذا وَصْلٍ فمن ذا الَّذي
عَــلَّـمــكَ الـهِــجْـرَانَ لا عـلَّمَا
إنْ كنتَ لي بينَ الوَرَى ظالِـماً
رَضيتُ أنْ تَـبقى وأنْ تَـظـلِـمَا”
٤ رجب ١٤٤٢