رباه..
هأنذا عبدكَ منطرحٌ تحت الباب، أستشفع بنظراتي الولهى، المشفقة، النادمة، نفحةَ عفوٍ وحُنوٍّ وتقريب. إن كان في لوحك المحفوظ -إلهي- أن دأبي الركض في الجنبات عاصياً، وقد كان، فحسبي أن تلك السيئات لا تلبث أن يتخللها انطراحةٌ، لو رآني الناس فيها لقالوا الحسنُ البصري أو سعيدُ بن جبير. وما أنا والحسن وسعيد! وما أنا والحسن وسعيد!
رباه، أعوذ بقداستك ونورك الذي تجلت ظلاله حول كعبتك من أن يلتفت قلبي للناس وهو متعلقٌ بأستارها! يستنزل عفوك ويتبتل لك.
رباه، اجتاحت فتنتك الناس مؤمنهم وكافرهم، وخلا بيتك المقدس -وقتَ هذا الوباء- من الطائفين الركع السجود. ربي خذني في عزلتي وحوْبتي فأرْكِع وأسْجِد وطَوّف روحي ببيتك علّها بذلك تشفى من سقمها وتغسلُ من رانها ودَرَنِها.
رباه، أنت خلقتني، ثم كسوتني وأطعمتني، ثم أنطقتني وعلمتني، ثم يسّرت لي وهديتي وبصرتني حجتي، ثم تولاني الخذلان بذنبي وضعفي فعصيتك. إلهي، أتوسل بك إليك أن تتمم نعمتك علي وتمهلني، وتتولاني. ولا تميتني -بجلالكَ وكبريائك أستغيثُ- على معصيةٍ تستوجب مقتك أو تقصيرٍ لا يجبره عفوك.
“آتيكَ ويمنعني الذنبُ
وأعودُ فيرجعني القلبُ
ما بين الأوبةِ والرجعى
قلبٌ بالشكوى يلتهبُ”
وأقول كما قال بكّاءُ بني إسرائيل “اللهم لا تؤدّبْني بعقوبتك، ولا تمكر بي بحيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك” وأعتذر بما نسِب للعباس -رضي الله عنه- “هذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة” اللهم إن كنتُ في غفلةٍ عنك فلا تكشف عني غطاءك، وانفخ في جسدي البالي روحاً جديدة تكون لك أقرب وبك أوثق، بدل تلك الروح التي أهلكتها مهاترات الصبا وملاهي الشباب. فماذا بعد الحق إلا الضلال!
يا ذا الجلال والإكرام، هاربين من الشيطان والذنب والقنوط سنظل واقفين على العتبات، نتطلع إلى تجليات الرحمة في حديث “للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها” وهل من أمٍ تترك ولدها يبكي لا تفتح له بابها! اللهم أنى لقدسيتك أن تنبذ عباداً صغاراً ضعافاً يبكون ويتوسلون ويطرقون بابك الكريم، باب الكعبة.
ليلة رمضان ١٤٤١
مصدر الصورة: https://wallpapercave.com/w/wp5873877