يستحيلُ جداراً

ا

لا يستطيع النظر في وجه صديقه، عيناه مترددة مرعوبة تتحاشى النظر في عينيه مباشرة، لذلك يتحدث إليه وهو ينظر إلى كوب قهوته باستمرار، لم يلاحظ صديقه ذلك. مرت أسابيع عديدة منذ آخر مرة انتقد أو اقترح أو ناقش مديره في العمل، كل ما صار يقوله لا يتجاوز: “حسناً، سأفعل ذلك”. لا يتذكر متى تناول فيها وجبة طعام مع أحدهم، لقد تجاهل جميع دعوات زملاء العمل والمعارف الذين يظهرون فجأة بعد غياب، أما أصدقاؤه -أو من بقي منهم- فقد كان يبذل جهده حتى تقتصر الدعوة على كوب قهوة لا غير، فوقت العشاء طويل لا يحتمل، ويجلس طوال اللقاء مستمعاً لا يتكلم، يتكلف التعبير عن ردات الفعل بوجهه مبتسماً أو مكشراً كي لا يشعر جليسه بغرابة الموقف. أمه أشارت أكثر من مرة إلى أنه أصبح يعتزل العائلة ويجلس لوحده طوال الوقت، وأخته أخبرته أنه لم يعد يحمل مشاعراً وحياة نشيطة كالسابق، وعندما أخبرها على انفراد بعد إلحاح شديد منها على أن يتكلم ويقول شيئاً ما، أي شيء، أخبرها بكل شيء يحدث لأنه لا يملك شيئاً آخرَ يقوله، شهقت مندهشة وعلى وجهها تعابير مختلطة تبدأ بالضحك وتنتهي بالقلق: “كأنك صرت جداراً”